✍️ المأساة قبل الصحوة
كتبت قبل سنتين تقريبًا مقالًا بعنوان مأساة أن تكون ناشرًا مستقلًا، وكنت أتوهم أنني أنفخ في الرياح كما يقول بوب ديلان، إلا أن أثر المقال والمقاطع التي عملتها لاحقًا عن الموضوع ذاته تجاوزت ما كنت أتخيل، منذ ذلك الحين تواصل معي العديد من الناشرين ضاربين بوجهي مئة مغالطة لجوء للسلطة، وأنهم لخبرتهم وضلوعهم في مجال النشر يعلمون ما لا أعلمه، وهو أمر صحيح في نفسه، ولكن كل ادعاءاتهم كانت خاطئة، وبالمقابل هناك من أيد ما أشرت إليه وشدد على أن الظلم الواقع على الكاتب حقيقي ولكنه ليس بالضرورة عن قصد، ولكن التقاليد التي تسير عليها شركات النشر وبعض الكتاب تساهم في هذه المعادلة غير المنصفة، أما الشكل الثاني ممن وصل لهم هذا الأمر فقد كان الكتاب أنفسهم الذين أثبتوا لي صحة موقفي بالاستمرار في النشر المستقل، على الأقل إلى حين حدوث تغيير جوهري. وأصدقكم القول أن الأمل في هذا التغير داخل الأطر التقليدية للنشر تضاءل لحد كبير، بالأخص عندما رأيت كاتبًا كبيرًا مثل زهران القاسمي يشتكي للعامة من أن أحد الناشرين الذين تعامل معهم سابقًا يقوم بإعادة طباعة كتابه على أنه طبعة أولى، خدعة للتملص من إعطاء الكاتب حقه، وقبل حادثة زهران القاسمي سمعت قصصًا عديدة من كتاب لم يستلموا حقوقهم على الرغم من نفاد الطبعات، وآخرين ينقلون أنهم استلموا نسبًا أقل من المتفق عليها في العقود، بحجة نقصان القيمة التي يباع بها الكتاب بالجملة وفي الخصم بغرض التسويق، وهذا مخالف لكل التقاليد المتبعة في صناعة النشر حول العالم إذ تكون حقوق الكاتب محتسبة من قيمة الكتاب قبل أي خصم، وهذا أمر لا يخلو من خديعة، ناهيك عن وجوب استلام الحقوق مقدمًا، من الطبعة الأولى من كتابه.
في بداية محاولتي لنشر مجموعتي القصصية تجسسات لا شعورية مع أحد دور النشر المحلية، كان عرضهم لي أن أتكفل بتكاليف الكتاب كاملة من تدقيق وطباعة وتصميم وإخراج، وفي المقابل أحصل على نسبة ٢٠٪ من المبيعات، ويحصل الناشر على ٢٠٪ من قيمة أي جائزة يفوز بها الكاتب! والحال مع بقية دور النشر التي تواصلت معها ليست بأفضل من هذا الحال ولا أكثر إنصافًا للكاتب. - من مقال مأساة أن تكون ناشرًا مستقلًا





لطلب صحوة الأقدمين وتجسسات لا شعورية اضغط هنا
🤝 قرار الاستمرار في النشر المستقل
بعد تجربتي في نشر مجموعة تجسسات لا شعورية فكرت مرات عديدة بمستقبل الكتب التي أعمل على كتابتها وقد جلست مع أحد الناشرين المحترمين، واقتربنا من الاتفاق والمضي قدمًا في نشر روايتي القصيرة القادمة صحوة الأقدمين، إلا أنني انسحبت من الاتفاق قبل أي إجراء رسمي، هل خذلته؟ لا أعلم. ربما. وناشر آخر أبدى اهتمامه بالنشر واختفى إلى أن أعلنت أنني بدأت حملة الطلب المسبق لـ صحوة الأقدمين، هل خذلته؟ طبعًا. فكما قلت في مقطع تحدثت فيه عن تجربتي في النشر المستقل: أدعي أنني أحترم نفسي، ولا أستطيع العمل على طريقة: اكتب وخلص وإذا هذا.. شسمه!
الأكيد أنني في ذلك الوقت لم أستطع أن أترك الطريق الذي بدأت السير فيه، فقررت أن أتجه مرة أخرى للنشر مستقلًا فبدأت في البحث عن مطابع من خارج وداخل الكويت، ووقع اختياري على الطباعة داخل الكويت في مطابع الخط، والفكرة التي أقدمت عليها هي أن أعرض الكتاب للطلب المسبق، وهي تجربة استفدتها من الصديق والكاتب العماني عمار النعيمي إذ طبقها لطباعة كتبه، ووضعت لهذه الحملة بضعة أهداف أحدد من خلالها كيف أنطلق للمرحلة القادمة من تحديد كمية الطباعة ونوافذ البيع وغيرها، فتكون هذه الحملة بمثابة تشكيل انطباع عن حسن استقبال القارئ للكتاب من ناحية وتقدير للعدد المناسب لكمية الطبعة الأولى من ناحية أخرى.
📚 إنجاز من جنس الأحلام
جاءت النتيجة كما يمر في خيال طفل حالم، فحققت أقصى هدف وضعته لهذه الحملة خلال عشرة أيام فقط، مما ساهم في تسريع وتيرة العمل وتسليم الطلبات قبل الموعد المحدد في الخامس عشر من يونيو، وهذه الحفاوة تبعث في تساؤلات في كيفية تأويل هذا الدعم لمشروع من تصنيف أدبي غير مألوف، وربما ينظر إليه بنظرة دونية من الطبقات المثقفة، مشروع فيه نبرة تحد للتيار العام في صناعة الثقافة والنشر، حتى وإن لم تكن غايته التحدي والتصادم إلا أن نغمة الخروج عن السائد واضحة، وكل خروج عن السائد فيه من نفس من التحدي، ما الذي يجعلني أتجه للنشر التقليدي؟ ما الذي يجعلني أترك من يقوم بدعمي بشكل حقيقي مباشر إلى من يريد علاقة من اتجاه واحد؟ يجب أن يكون سببًا لا أخجل من ذكره بيني وبين نفسي!
🧭 مراحل الحملة والوصول للمحطة الأخيرة
وضعت مجموعة من الأهداف لحملة الطلب المسبق، حاولت أن أكون واقعيًا في جلها، وطموحًا حالمًا في نطاق ضيق يضمن أن لا تتكسر أضلاعي عند السقوط! ولكي أصل لهذه الأهداف قررت أن أجعل الحملة تنطلق على مراحل وتكون النتيجة الإيجابية في نهاية كل مرحلة معينة للمرحلة التالية، وخلق نوع من التفاعلات المتسلسلة للإبقاء على الزخم المطلوب، فبدأت بالحديث عن المشروع للأصدقاء في شهر نوفمبر من العام الماضي، في ذلك الحين لم تكن الفكرة مقنعة إلا لواحد أو اثنين ممن شاركتهم الفكرة، وظل الحديث عنها يتكرر إلى أن اقتنع معظمهم، ولفتني قول أحد الأصدقاء أنه لا يجد أي مبرر منطقي لنجاح المسألة إلا أنها لديه حدس يقول عكس ذلك. بعدها بدأت بالحديث عن هذه المسألة مع الدوائر الأوسع من الأصدقاء، وهكذا إلى شعرت بشيء من الثقة للبدء في الاشتغال على وضع اللمسات الأخيرة على الشكل النهائي للكتاب، ووضع خطة تتناسب مع كل محطة من محطات أهداف الحملة، وبداية الإعلان عن حملة الطلب المسبق سبقها مجموعة من المقالات والمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم بدأت الحملة بشكل محدود جدًا عبر الأهل والأصدقاء، ثم بقية وسائل التواصل، أولها هذه النشرة البريدية، وهكذا أعلنت على بقية وسائل التواصل الاجتماعي تباعًا، واعتمدت على إيمان من وصلت له هذه الفكرة، هذا المشروع، أن يساهم بشكل مباشر عن طريق الطلب المسبق أو بشكل غير مباشر عن طريق النشر والحديث عن التجربة، أو أن يكون مثل معظم الأصدقاء الكتاب والناشرين والناشطين في الوسط الثقافي الذين اكتفوا بالمباركة أو التجاهل التام، وكانت هذه المساهمات المباشرة وغير المباشرة كفيلة بأن يصل الكتاب إلى مناطق لم يخطر ببالي أن يصل لها، من أشخاص لا أعرفهم ولا يربطني بهم أي صديق مشترك في الكويت وخارجها، استعنت على ذلك كله بهؤلاء المخلصين الذين صدقوا وآمنوا بفكرة المشروع وغايته، أو أعطوه فرصة على أقل تقدير، ورأيت ألا ألجأ لأي شكل من أشكال التسويق المتبع حاليًا من قبل دور النشر التقليدي، واكتفيت بالدعم الذي أكرمني به المشاركون.
فكانت المحطة الأولى تضمن أن أطبع عدد محدود جدًا من النسخ بالتغليف الورقي (paperback) إذا وصل عدد الطلبات المسبقة للخمسين، ومحطة الطبعة الفاخرة عند المئة طلب، والطبعة الفاخرة مع إضافة مجموعة من الهدايا أو العناصر الإضافية لتجربة القراءة عند الوصول للمئة وخمسين طلبًا، وقع اختياري في نهاية المطاف على قطع تذكارية من ملصقات وبطاقة بريدية، لسبب ما شعرت بحدس مشابه لما حدثني به صديقي، فتهيأت للمحطة النهائية من الأهداف وجهزت كل شي بعد أربعة أيام من إطلاق حملة الطلب المسبق، ووصلت مع الأحبة للمحطة النهائية في أقل من عشرة أيام.
الحمد لله أن المشروع انتهى قبل موعده المحدد، وقد شهدنا جميعًا النجاح الذي رافقه بكل فخر وسعادة. أسأل الله لك التوفيق والنجاح في المرحلة الثانية، وأن تكون أكثر تميزًا وثراء.
كما نرجو، إن أمكن، إعداد فيديو يتناول هذه المرحلة، مع التطرق إلى المشكلات التي يواجهها بعض الكتّاب الآخرين، ليستفيد الجميع من التجربة.
وبالمناسبة، شاهدت مؤخرًا فيديو لكاتب جزائري مرّ بتجربة مشابهة لما حدث مع زهران القاسمي قبل سنوات، وكانت فعلاً مأساة مؤلمة.
في الختام، نود أن نعرف ما هي طموحاتك المستقبلية، وما الأمور التي تأمل أن تتحقق في المراحل القادمة؟
بالتأكيد إنها رحلة شاقة و لكن تم جنى ثمارها فى نهاية المطاف. فالإحساس بمتعة تحقيق حلمك وهدفك شئ فى منتهى الجمال، وإن تخطيك لكل هذه المراحل بمجهودك كافى لرفع الروح معنوية لأى كاتب بأن يبدأ مشروعه المستقل. شكرا حسين على شغفك ومجهودك ونتطلع إلى أعمال كثيرة آخرى فى المستقبل.