في حادثة وقعت في حدث worldcon الذي كان يستضيف نخبه من كتّاب الفانتازيا، سألت قارئة مارتن بكل وقاحه أمام الكتاب الآخرين: لم يبق لك الكثير من العمر. ماهو شعورك حيال إكمال أحد الكُتّاب رياح الشتاء.
ماكان من جورج الا ان غادر المنصة ، وتنصل براندون ساندرسون بأدب واجاب: ليس أنا .
وهذا يدفعنا إلى سؤال: هل جورج ر. ر. مارتن: متخاذل أم صاحب حق وهذه حريته الشخصية؟
منذ أكثر من عقد من الزمان، والقراء يترقبون " رياح الشتاء" كما يترقب العطاشى قطرة الماء في الصحراء. كل عام يخرج مارتن ببيانٍ جديد، أو مدوّنة متحفظة، أو تصريح في مؤتمر، يعد فيه بأن النهاية قريبة، وأن الرواية تتقدّم. لكن النتيجة واحدة: كتاب لم يصدر بعد، وأعذار تتراكم وتباعد بين ثقة القراء في كل وعوده السابقه.
من منظور القُرّاء، لا مهرب من وصف الرجل بالمتخاذل. فقد قطع وعودًا صريحة، أوحى خلالها بأنه سيكرّس جهده للرواية وحدها وفي خلال عده سنوات أصدر عدة تصاريح منها :
2012: بعد صدور رقصة مع التنانين، أكّد مارتن أن الجزء السادس رياح الشتاء لن يتأخر طويلًا مثل سابقه، بل طمأن القراء سريعًا بنشر فصل كامل منه (فصل ثيون) على موقعه الرسمي، ليؤكد أنه يعمل على الكتاب بجدية.
2014: قال في أكثر من مناسبة إنه "يكتب بوتيرة جيدة"، ملمّحًا إلى صدور الكتاب قبل نهاية Game of Thrones، وهو ما لم يحدث.
2016: صرّح بوضوح: "لن أعمل على أي مشروع آخر حتى أنتهي من رياح الشتاء."
2020 (خلال الجائحة): كتب في مدونته أنه أنجز مئات الصفحات، وأوحى بأن العزلة ستساعده على إنهاء الرواية "قريبًا".
2021: أعاد نفس النغمة: تقدّم ملموس، أمل بإنهاء الكتاب، لكن من دون إعلان أي موعد.
نهاية 2022: أعلن أنه كتب نحو 1100–1200 صفحة، وما يزال أمامه 400–500 صفحة. بدا وكأن النهاية تقترب، لكن شيئًا لم يصدر.
2023: قال إنه يكتب "يوميًا تقريبًا"، لكن التقدّم لم يختلف عمّا سبقه.
2024: اعترف بأن مشاريعه التلفزيونية استهلكت نصف عام من وقته، ثم صرّح في ديسمبر: "أنا متأخر بثلاثة عشر عامًا، لكن الكتاب ما يزال أولوية."
أبريل 2025: نفى بشكل صريح أن يكون الإصدار قريبًا، قاطعًا أي أمل في إعلان وشيك.
وفي المقابل يرى القراء انه خلال هذه المدة شتت نفسه في اشياء جانبيه مثل :
أصدار Fire & Blood في 2018 وكأنّ ما ينقص جمهوره هو المزيد من "التاريخ" لا استكمال الحكاية.
اخرج في 2022 rise of the Dragon وهو كتاب مصوَّر يذكّرنا بأنه يملك أرشيفًا من الرسومات، لكن لا يملك شجاعة كتابة الخاتمة
انغمس في سلسلة Wild Cards التي لم يطلبها أحد، لكنها ظلّت تصدر تباعًا.
شارك في إنتاج House of the Dragon، وDark Winds، وألقى بثقله في لعبة Elden Ring.
كأنّ الرجل يقول لقرّائه: "الرواية؟ لاحقًا. أما الآن، فاسمحوا لي أن أملأ رفوف المكتبات بما يدرّ عليّ مالًا ويشبع شغفي الجانبي."
لكن، ومن زاوية أخرى، أليس من حق الكاتب أن يكتب متى شاء وكيفما شاء؟ جورج لم يوقّع عقدًا دمويًّا مع القرّاء، ولم يفرض عليه أحد إكراهًا لالتزام مواعيد النشر. الكتابة ليست خطَّ إنتاج في مصنع، بل هي فعل إبداعي قد يتوقف صاحبه في منتصف الطريق، أو يتباطأ، أو يغيّر أولوياته.
بل يمكن القول إن جزءًا من جاذبية عمله أنه لا يتعامل مع الكتابة كواجب ميكانيكي، وإلا لخرجت الرواية محشوة بالترقيع وسقيمة كالنهايات المتسرّعة التي ينقم عليها القراء في أعمال أخرى؟؟
إذن نحن أمام مفارقة:
نعم، يملك مارتن كامل الحق في أن يكتب متى أراد، ويهمل متى أراد.
لكن في المقابل، القراء يملكون كامل الحق في اعتباره متخاذلًا. فالوعد التزام أدبي وأخلاقي، وإن لم يكن قانونيًا.
إذن، هل مارتن متخاذل؟ نعم، إن قيّمناه بمعيار الوعود والالتزامات الأخلاقية تجاه قرّائه.
وهل له الحق في ذلك؟ نعم أيضًا، فالكتابة ملكه، ولا أحد يملك سلطة إجباره على تسليم كتابه.


